أصبح التطوير العقاري المستدام ضرورة اقتصادية وبيئية في سوق تتزايد فيه تكاليف الطاقة وتتقدم فيه معايير جودة الحياة. لا يقتصر الاستدامة على تركيب ألواح شمسية أو عوازل حرارية؛ بل هي فلسفة تصميم وتشغيل تبدأ من اختيار الموقع، وتستمر عبر دورة حياة المبنى حتى إدارة النفايات وإعادة التدوير. في المناخ الحار، تمنح الحلول السلبية مثل توجيه الواجهات، وتظليل النوافذ، والتهوية الطبيعية، وتقليل اكتساب الحرارة، وفورات كبيرة قبل اللجوء للحلول النشطة. كما تسهم أنظمة إدارة المباني الذكية في مراقبة الاستهلاك وتعديل إعدادات التكييف والإضاءة وفق الإشغال الفعلي، ما يخفض النفقات التشغيلية ويرفع راحة المستخدمين.
اقتصاديًا، يحقق الاستثمار في الاستدامة عوائد طويلة الأجل عبر تقليل فواتير الطاقة والصيانة، ورفع قيمة الإيجار وإعادة البيع. تميل الشركات والمستأجرون إلى تفضيل المباني التي تقدم جودة هواء داخلية أعلى، وإضاءة طبيعية أفضل، ومساحات خضراء مشتركة، لما لذلك من أثر على الإنتاجية والصحة. يتطلب ذلك مواد بناء منخفضة الانبعاثات، وأنظمة مياه رمادية للري، وتركيبات صحية موفرة، وساحات مفتوحة تحفّز المشي والأنشطة المجتمعية. كما تدعم الأكواد الوطنية ومعايير كفاءة الطاقة هذا الاتجاه من خلال متطلبات للعزل، والنوافذ المزدوجة، ورفع كفاءة الأجهزة.
من منظور المطور، يبدأ المسار بتقييم دورة الحياة لتحديد البصمة الكربونية للمشروع، ثم اختيار سلاسل توريد محلية تقلل النقل وتدعم الاقتصاد. عند التصميم، تُدمج حلول الوحدات مسبقة الصنع لتقليل الهدر، ويجري تخطيط مسارات الخدمات بحيث تسمح بصيانة سهلة وتبديل المعدات دون أعمال هدم واسعة. وفي التشغيل، تُستخدم العدادات الفرعية لكل شقة أو طابق لتعزيز وعي المستهلكين، وتطبق صيانة استباقية مبنية على الاستشعار لتقليل الأعطال. أما في المجتمعات السكنية، فيعزّز التخطيط المختلط الوظائف (سكن/تجزئة/حدائق) تقليل الاعتماد على السيارة، ويخلق أحياء نابضة على مدار اليوم.
التواصل مع العملاء عنصر حاسم: إبراز تقارير الأداء الطاقي، وشهادات المطابقة، وخطط الطوارئ، يجعل المستأجرين والمشترين شركاء في الاستدامة. وبمرور الوقت، يصبح الفرق واضحًا في مصاريف التشغيل ورضا المستخدم، ما يحول الاستدامة من “ميزة تسويقية” إلى معيار أساسي للنجاح. بهذه المقاربة، يحقق المطور قيمة اقتصادية متينة، ويقدم منتجًا صحيًا قابلًا للاستمرار، ويدعم أهداف خفض الانبعاثات ورفاه المجتمع.
